الثقافة

كوكينيا… رواية جديدة للجزائرية هدى درويش

عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدرت رواية « كوكينيا: مائة ليلة بعيدًا عن نورتبيكورت» للروائية الجزائرية “هدى درويش”.

الرواية تقع في 132 صفحة من القطع المتوسط، وتعود بنا إلى زمن ليس بزمننا هذا، وتظهر مدينة الإسكندرية في طيات ملامحها بوجه عتيق يتقن الصمت بلغة الكلمات وبنزيف الذاكرة الموجع دون انقطاع لشخوص الرواية المحورية، حيث يشترك أبطال الرواية “برجلجوت، يورغوس، وصافيتا” في عشق مدينة لا بحر لأحلامها، مدينة مريضة بالحياة كلما تمدَّدت على سريرها وتعاقبت عليها السنوات إلى يومنا هذا، مما يجعلنا نتساءل: مَنْ يكتب عن من؟ هل تسرد هدى درويش مخطوطة حياة “صافيتا” تلك المرأة التي تعادل تاريخ مدينة؟ أم كأنها غادة السمان التي تحمل في صدرها وطنًا يبكي وتتغنَّى ببلدات الشام وياسمينها؟ فبلدة صافيتا السورية عشقٌ لديها يستدعي الكثير من الثرثرة!

نتبعثر داخل فصام الرواية، فكرونولوجية الأحداث غريبة تقبع عند مدخل عمارة واحدة قديمة في حي الإبراهيمية العريق، تُقرأ من خلال أرضية خشبية مبللة لشقة مهجورة، تُسقط جراحها على رصيف الذاكرة وتتشكل أحداث جديدة في خيالها النحيل، فتستهوينا معرفة الحقائق المبهمة بدايةً بديباجة الرواية التي تربط الحكواتية بعشق وهران مسقط رأسها تارة، وبحنينها لبلدة النورتبيكورت بالشمال الفرنسي تارةً أخرى، هنالك حيث الوطن يُحمل بين الضلوع لا على صفحات جواز السفر.

في الرواية بحر الإسكندرية لا يفرِّق بين كوكينيا المصرية وكوكينيا اليونانية “نيكيا حديثا”، فالمدائن التوأم تلتقي وتبحث كل منها عن ذاتها في المدينة المجاورة لها على ضفاف المتوسط.

كوكينيا هي أول رواية عربية تتناول واحدًا من أمراض المناعة الذاتية، أبدعت فيها الروائية الطبيبة هدى درويش بكل هذا الزخم النابع من عمق البارانويا التي جثمت على صدر مُحبّ عاشق للحياة وحوَّلت بسمته إلى إكليل قبر قديم منسي. لذا لا يمكن للقارئ الدخول إلى هذا القدر العجيب من الأحداث دون امتلاك شيء من “الشيزوفرينيا” تمنحه القدرة على عدم تفسير التفاصيل وفق البُعدين الزماني والمكاني، حين يغيب بعض الشخوص دون رجعة، أو يظهر بعضهم باستحقاق أليم. وحين تلتصق المدائن ببعضها وتموت المسافات وتتعذّر التفاسير، أو حين يشعر القارئ بالسوداوية والدوّار وكأنه يقف على حافة قبرٍ غريب، أو حين يشعر بالجنون المجنّح فيسير عكس كل قناعاته السابقة، فسطور هذه الرواية محكومة فقط بقانون “البارانويا”، والقارئ شريكٌ أصيل في كتابتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى